9 مصاحف


/ /   /

الجمعة، 8 أكتوبر 2021

كيفية الاستغفار الصحيحة ؟ وكلام الحفظ ابن كثير في قوله تعالي{ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)/الانفال }

 

    ما هي كيفية الاستغفار الصحيحة ؟       
 في سورة نوح ورد فضل الاستغفار،

قال الله تعالي { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)/الانفال }

قال الحافظ بن كثير في تفسيره في شأن : قوله تعالي الذي قدمنا به قبل سطرين:

وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31) وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا مَعْمَر، أخبرني عثمان الجَزَري، عن مِقْسَم مولى ابن عباس أخبره عن ابن عباس في قوله: { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ } قال: تشاورت قريش ليلة بمكة، فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق -يريدون النبي صلى الله عليه وسلم -وقال بعضهم: بل اقتلوه. وقال بعضهم: بل أخرجوه. فأطلع الله نبيه على ذلك، فبات علي رضي الله عنه على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون عليًّا يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحوا ثاروا إليه، فلما رأوا عليًّا رَدَّ الله تعالى مكرهم، فقالوا: أين صاحبك هذا؟ قال: لا أدري. فاقتصا (2) أثره، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم، فصعدوا في الجبل فمرّوا بالغار، فرأوا على بابه نسج العنكبوت، فقالوا: لو دخل هاهنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه، فمكث فيه ثلاث ليال (3)
وقال محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عُرْوَة بن الزبير في قوله: { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } أي: فمكرت بهم بكيدي المتين، حتى خلصتك منهم.
{ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ (31) وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) }
يخبر تعالى عن كفر قريش وعُتُوِّهم وتمرُّدهم وعنادهم، ودعواهم الباطل عند سماع آياته حين تتلى عليهم أنهم يقولون: { قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا } وهذا منهم قول لا فعل، وإلا فقد تحدوا غير ما مرة أن يأتوا بسورة من مثله فلا يجدون إلى ذلك سبيلا. وإنما هذا قول منهم يَغُرّون به أنفسهم ومن اتبعهم على باطلهم.
وقد قيل: إن القائل لذلك هو النضر بن الحارث -لعنه الله -كما قد نص على ذلك سعيد بن جُبَيْر، والسُّدِّيّ، وابن جُرَيج وغيرهم؛ فإنه -لعنه الله -كان قد ذهب إلى بلاد فارس، وتعلم من أخبار ملوكهم رُسْتم واسفنديار، ولما قدم وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه الله، وهو يتلو على الناس القرآن، فكان إذا قام صلى الله عليه وسلم (4) من مجلس، جلس فيه النضر فيحدثهم من أخبار أولئك، ثم يقول: بالله أيهما أحسن قصصا؟ أنا أو محمد؟ ولهذا لما أمكن الله تعالى منه يوم بدر ووقع في الأسارى، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تضرب رقبته صبرا بين يديه، ففُعل ذلك، ولله الحمد. وكان الذي أسره المقداد بن
__________
(1) في ك، م: "النبي".
(2) في د، ك، م: "فاقتصوا".
(3) المسند (1/348) قال الهيثمي في المجمع (7/27): "فيه عثمان بن عمرو الجزري وثقه ابن حبان وضعفه غيره، وبقية رجاله رجال الصحيح".
(4) في ك، د: "عليه السلام".

(4/46)


الأسود، رضي الله عنه، كما قال ابن جرير:
حدثنا محمد بن بشَّار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شُعْبَة، عن أبي بِشْر، عن سعيد بن جُبَيْر قال: قَتَل النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر صبرا عُقْبَةَ بن أبي مُعَيْط وطُعَيْمة بن عَدِي، والنضر بن الحارث. وكان المقداد أسر النضر، فلما أمر بقتله، قال المقداد: يا رسول الله، أسيري. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه كان يقول في كتاب الله، عز وجل، ما يقول". فأمر رسول الله (1) صلى الله عليه وسلم بقتله، فقال المقداد: يا رسول الله، أسيري. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغن المقداد من فضلك" . فقال المقداد: هذا الذي أردت. قال: وفيه أنزلت هذه الآية: { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ } (2)
وكذا رواه هُشَيْم، عن أبي بشر جعفر بن أبي وَحْشِيّة، عن سعيد بن جُبَيْر؛ أنه قال: "المطعم بن عدي" "بدل طعيمة" (3) وهو غلط؛ لأن المطعم بن عدي لم يكن حيا يوم بدر؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: "لو كان المطعم (4) حيا، ثم سألني (5) في هؤلاء النَّتْنَى (6) لوهبتهم له" (7) -يعني: الأسارى -لأنه كان قد أجار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم رجع من الطائف.
ومعنى: { أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ } وهو جمع أسطورة، أي: كتبهم اقتبسها، فهو يتعلم منها ويتلوها على الناس. وهذا هو الكذب البحت، كما أخبر الله عنهم في الآية الأخرى: { وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا قُلْ أَنزلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا } [الفرقان: 5 ، 6].أي: لمن تاب إليه وأناب؛ فإنه يتقبل منه ويصفح عنه.
وقوله: { وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } هذا من كثرة جهلهم وعُتُوِّهم وعنادهم وشدة تكذيبهم، وهذا مما عِيبُوا به، وكان الأولى لهم أن يقولوا: "اللهم، إن كان هذا هو الحق من عندك، فاهدنا له، ووفقنا لاتباعه". ولكن استفتحوا على أنفسهم، واستعجلوا العذاب، وتقديم العقوبة كما قال تعالى: { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } [العنكبوت:53] ، { وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ } [ص:16] ، { سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ } [المعارج: 1-3] ،وكذلك قال الجهلة من الأمم السالفة، كما قال قوم شعيب له: { فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } [الشعراء: 187] ،وقال هؤلاء: { اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }
__________
(1) في د، ك، م، أ: "النبي".
(2) تفسير الطبري (13/504).
(3) تفسير الطبري (13/504).
(4) في د، ك، م، أ: "المطعم بن عدي".
(5) في ك: "وسألني".
(6) في أ: "السبى".
(7) رواه البخاري في صحيحه برقم (3139) من حديث جبير بن مطعم، رضي الله عنه.

(4/47)


قال شُعْبَة، عن عبد الحميد، صاحب الزيّادي، عن أنس بن مالك قال: هو أبو جهل بن هشام قال: { اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّمِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } فنزلت { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } الآية.
رواه البخاري عن أحمد ومحمد بن النضر، كلاهما عن عُبَيد الله بن مُعَاذ، عن أبيه، عن شعبة، به (1)
وأحمد هذا هو: أحمد بن النضر بن عبد الوهاب. قاله الحاكم أبو أحمد، والحاكم أبو عبد الله النيسابوري، والله أعلم.
وقال الأعمش، عن رجل، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: { وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } قال: هو النضر بن الحارث بن كلدة، قال: فأنزل الله: { سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعْ لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِع } [المعارج: 1-2] وكذا قال مجاهد، وعطاء، وسعيد بن جبير، والسدي: إنه النضر بن الحارث -زاد عطاء: فقال الله تعالى: { وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِالْحِسَابِ } [ص: 16] وقال { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [الأنعام: 94] وقال { سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ } [المعارج: 1 ، 2]، قال عطاء: ولقد أنزل فيه بضع عشرة آية من كتاب الله، عز وجل.
وقال ابن مُرْدُوَيْه: حدثنا محمد بن إبراهيم، حدثنا الحسن بن أحمد بن الليث، حدثنا أبو غسان حدثنا أبو تُمَيْلة، حدثنا الحسين، عن ابن بُرَيْدة، عن أبيه قال: رأيت عمرو بن العاص واقفا يوم أُحُد على فرس، وهو يقول: اللهم، إن كان ما يقول محمد حقا، فاخسف بي وبفرسي" .
وقال قتادة في قوله: { وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ } الآية، قال: قال ذلك سفهة هذه الأمة وجهلتها (2) فعاد الله بعائدته ورحمته على سفهة هذه الأمة وجهلتها.
وقوله تعالى: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود، حدثنا عِكْرِمة بن عمار، عن أبي زُمَيْل سِمَاك الحنفي، عن ابن عباس قال: كان المشركون يطوفون بالبيت ويقولون: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك (3) فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: "قَدْ قد"! ويقولون: لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك. ويقولون: غفرانك، غفرانك، فأنزل الله: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قال ابن عباس: كان فيهم أمانان: النبي صلى الله عليه وسلم، والاستغفار، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقي الاستغفار (4)
__________
(1) صحيح البخاري برقم (4648، 4649).
(2) في ك: "وجهلها".
(3) في أ: "لك لبيك".
(4) ورواه الطبري في تفسير (13/511) من طريق أبي حذيفة موسى بن مسعود به.

(4/48)


وقال ابن جرير: حدثني الحارث، حدثنا عبد العزيز، حدثنا أبو مَعْشَر، عن يزيد بن رُومَان ومحمد بن قيس قالا قالت قريش بعضها لبعض: محمد أكرمه الله من بيننا: { اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } فلما أمسوا ندموا على ما قالوا، فقالوا: غفرانك اللهم! فأنزل الله، عز وجل: { وَمَا كَانَ اللَّهُ [لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ] مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } (1) إلى قوله: { وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ } [الإنفال:34].
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } يقول: ما كان الله ليعذب قوما وأنبياؤهم بين أظهرهم حتى يخرجهم، ثم قال: { وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } يقول: وفيهم من قد سبق له من الله الدخولُ في الإيمان، وهو الاستغفار -يستغفرون، يعني: يصلون -يعني بهذا أهل مكة.
وروي عن مُجاهد، وعِكْرِمَة، وعطية العَوْفي، وسعيد بن جُبَيْر، والسُّدِّيّ نحو ذلك.
وقال الضحاك وأبو مالك: { وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } يعني: المؤمنين الذين كانوا بمكة.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الغفار بن داود، حدثنا النضر بن عَرَبي [قال] (2) قال ابن عباس: إن الله جعل في هذه الأمة أمانين لا يزالون معصومين مجارين من قوارع العذاب ما داما بين أظهرهم: فأمان قبضه الله إليه، وأمان بقي فيكم، قوله: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }
قال (3) أبو صالح عبد الغفار: حدثني بعض أصحابنا، أن النضر بن عربي حدثه هذا الحديث، عن مجاهد، عن ابن عباس.
وروى ابن مَرْدُوَيه وابن جرير، عن أبي موسى الأشعري نحوًا من هذا (4) وكذا رُوي عن قتادة وأبي العلاء النحوي المقرئ.
وقال الترمذي: حدثنا سفيان بن وَكِيع، حدثنا ابن نُمَيْر، عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، عن عباد بن يوسف، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنزل الله عليَّ أمانين لأمتي: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } فإذا مضيت، تركتُ فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة" (5)
ويشهد لهذا (6) ما رواه الإمام أحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه، من حديث عبد الله بن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث، عن دَرَاج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) زيادة من م.
(2) زيادة من د، ك، م، أ.
(3) في ك: "وقال" .
(4) تفسير الطبري (13/513).
(5) سنن الترمذي برقم (3082) وقال الترمذي: "هذا حديث غريب، وإسماعيل بن مهاجر يضعف في الحديث.
(6) في أ: "لصحة هذا".

(4/49)


قال: "إن الشيطان قال: وعزتك يا رب، لا أبرح أغْوِي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم. فقال الرب: وعزتي وجلالي، لا أزال أغفر لهم ما استغفروني" .
ثم قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه (1)
وقال الإمام أحمد: حدثنا معاوية بن عمرو، حدثنا رِشْدِين -هو ابن سعد -حدثني معاوية بن سعد التُّجيبي، عمن حدثه، عن فَضَالة بن عُبَيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "العبد آمن من عذاب الله ما استغفر الله، عز وجل" (2)
__________
(1) المسند (3/29) والمستدرك (4/261) وهذا سياق الحاكم. وأما سياق أحمد في المسند من طريق ابن لهيعة عن دراج به.
(2) المسند (6/20).

--------------------------------------------
 ما هي كيفية الاستغفار الصحيحة
 
 وهناك تجربة إن صح التعبير لزميل لي في العمل حيث إنه لم يرزق بالذرية بعد مضي عام ونصف تقريبا، وبعد ذلك داوم على الاستغفار ولازمه في جميع أوقاته وأحواله بعد ترك فضول الكلام وتحري الحلال في جميع حوائجه ولم يكمل الشهر وإذا به - بحمد الله - يبشَّر بأن زوجته أصبحت حبلى، حفظ الله هذا الزميل وحفظ ذريته وأهله.
 فسبحان الله هل ينطبق هذا المثال على من أراد الأموال والجنات ؟
 
 الحمد لله أولاً: لا بأس أن يكثر الإنسان من الاستغفار ليرزقه الله تعالى المال والولد.
 
 قال الله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} نوح/10 - 12.
-قال القرطبي: قوله تعالى {‏فقلت استغفروا ربكم‏ } ‏ أي: سلوه المغفرة من ذنوبكم السالفة بإخلاص الإيمان {إنه كان غفاراً } أي: لم يزل كذلك لمن أناب إليه ‏.‏ وهذا منه ترغيب في التوبة‏. ‏{‏يرسل السماء عليكم مدراراً ‏} ‏ أي: يرسل ماء السماء، و‏ ‏مدراراً ‏ ذا غيث كثير‏. ‏{ ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لهم جنات ويجعل لكم أنهاراً ‏
 قال الشعبي‏:‏ خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع، فأُمطروا فقالوا‏:‏ ما رأيناك استسقيت‏ ؟‏ فقال‏:‏ لقد طلبتُ المطر بمجاديح السماء التي يُستنزل بها المطر ؛ ثم قرأ‏ {‏استغفروا ربكم إنه كان غفاراً ‏.‏ يرسل السماء عليكم مدراراً }.
 
  ( بمجاديح ) جمع مِجْدَح وهو نجم كانت العرب تزعم أنها تمطر به.
 وأراد عمر رضي الله عنه تكذيب العرب في هذا الزعم الباطل، وبَيَّن أنه استسقى بالسبب الصحيح لنزول المطر وهو الاستغفار وليس النجوم.
 
 وشكا رجل إلى الحسن الجدوبة فقال له‏:‏ استغفر الله ‏،‏
 وشكا آخر إليه الفقر فقال له‏:‏ استغفر الله ‏،‏
 
 وقال له آخر‏:‏ ادع الله أن يرزقني ولداً ؛ فقال له‏:‏ استغفر الله‏،
 
  وشكا إليه آخر جفاف بستانه فقال له‏:‏ استغفر الله‏، فقلنا له في ذلك ‏؟‏ فقال‏:‏ ما قلت من عندي شيئاً ؛ إن الله تعالى يقول في سورة نوح { ‏استغفروا ربكم إنه كان غفاراً ‏.‏ يرسل السماء عليكم مدراراً ‏.‏ ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً } " تفسير القرطبي " ( 18 / 301 - 303 ) باختصار.
 
 ثانياً: أما صيغ الاستغفار: فأفضل ذلك ما ثبت في السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوله، أو ما أوصى به الأمة أن تقوله.
 
 1. عن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " سيد الاستغفار أن تقول:
 اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت "  
 قال: ومن قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة. رواه البخاري ( 5947 ).
 
 2. عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء "رب اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري كله وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي خطاياي وعمدي وجهلي وهزلي وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير " . رواه البخاري ( 6035 ) ومسلم ( 2719 ).
 
 3. عن ابن عمر قال 0: إنْ كنَّا لنعدُّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس يقول "رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم " مائة مرة. رواه الترمذي ( 3434 ) وعنده " التواب الغفور " وأبو داود ( 1516 ) وابن ماجه ( 3814 ).
 
 4. عن أبي يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن قال أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيومَ وأتوب إليه غفر له وإن كان فر من الزحف " . رواه الترمذي ( 3577 ) وأبو داود ( 1517 ).
 
 5. عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علِّمني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال: قل "اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرةً من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم " . رواه البخاري ( 799 ) ومسلم ( 2705 ). والله أعلم .
 
 
الاستغفار منجاة ورفع عذاب الله القوي القدر

حثنا سيدنا رسول الله على كثرة الاستغفار
 
 فكان -صلى الله عليه وسلم- يستغفر في اليوم أكثر من سبعين مرة، ووردت الكثير من صيغ الاستغفار التي وردت عن نبينا الحبيب ومنها:ما رود عَن أَبي سَعيدٍ رضي الله عنه عَن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏«مَنْ قالَ حِينَ يَأْوِي إِلى فِرَاشِهِ أَسْتَغْفِرُ الله العظيم الّذِي لا إلهَ إلاّ هُوَ الحَيّ القَيّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ثَلاَثَ مَرّاتٍ غَفَرَ الله لَهُ ذُنُوبَهُ وإنْ كَانَتَ مِثْلَ زَبَدِ البحْرِ، وإِنْ كانَتْ عَدَدَ وَرَقِ الشّجَرِ، وإِنْ كَانَتْ عَدَدِ رَمْلِ عَالِجٍ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ أيّامِ الدّنْيَا‏»‏‏، رواه الترمذي حديثٌ حَسَنٌ.


وقال الإمام صفى الرحمن المباركفوري فى شرحه لجامع الترمذي، أن قول النبى‏:‏ ‏«أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم‏»‏ صفة لله أو مدحًا، وقوله ‏«‏وأتوب إليه‏» أي أطلب المغفرة وأريد التوبة فكأنه قال اللهم اغفر لي ووفقني للتوبة.



وأوضح الإمام فى شرح الحديث، أن قوله –صلى الله عليه وسلم-«وإن كانت‏ مثل زبد البحر‏» أي ولو كانت ذنوبه في الكثرة مثل الزبد محركة ما يعلو الماء وغيره من الرغوة، مضيفًا أن المراد من قوله ‏«‏وإن كانت عدد رمل عالج‏»‏ هو موضع بالبادية فيه رمل كثير.

وأشار المباركفوري أن في هذا الحديث فضيلة عظيمة ومنقبة جليلة في مغفرة ذنوب بهذا الذكر ثلاث مرات وإن كانت بالغة إلى هذا الحد الذي لا يحيط به عدد وفضل الله واسع‏.‏


اقرأ أيضًا| 3 أمور تحدث لك عند الاستغفار


أوقات الاستغفار
الاستغفار مشروع للمسلم في كلّ وقت وحين، ولا يتمّ تحديد وقت لعبادةٍ ما إلا ما نزل فيها الأمر بذلك، مثل وقت السّحر، أو أدبار الصّلوات، أو الصّباح والمساء، وذلك للحذر من الوقوع في البدع، ويجب على المسلم أن يستحضر قلبه عند الاستغفار والدّعاء، وذلك لما في حديث الترمذي عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال: (إنّ الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاه).


اقرأ أيضًا| دعاء سيد الاستغفار.. وفضل المداومة عليه


أفضل صيغ الاستغفار (اللَّهمَّ أنتَ ربِّي ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ ، خَلقتَني وأَنا عبدُكَ ، وأَنا على عَهْدِكَ ووعدِكَ ما استطعتُ ، أعوذُ بِكَ من شرِّ ما صنعتُ ، وأبوءُ لَكَ بنعمتِكَ عليَّ ، وأعترفُ بِذنوبي ، فاغفِر لي ذنوبي إنَّهُ لا يَغفرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ)، (اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك من العجزِ والكسلِ ، والجبنِ والبخلِ ، والهرمِ ، وعذابِ القبرِ ، وفتنةِ الدجَّالِ ، اللهم آتِ نفسي تقواها ، وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها ، أنت وليُّها ومولاها ، اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك من علْمٍ لا ينفعُ ، ومن قلْبٍ لا يخشعُ ، ومن نفسٍ لا تشبعُ ، ومن دعوةٍ لا يُستجابُ لها)، (رَبِّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي وجَهْلِي، وإسْرَافِي في أمْرِي كُلِّهِ، وما أنْتَ أعْلَمُ به مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي خَطَايَايَ، وعَمْدِي وجَهْلِي وهَزْلِي، وكُلُّ ذلكَ عِندِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أسْرَرْتُ وما أعْلَنْتُ، أنْتَ المُقَدِّمُ وأَنْتَ المُؤَخِّرُ، وأَنْتَ علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ)، (أستغفرُ اللهَ العظيمَ الذي لا إلهَ إلَّا هو الحيَّ القيومَ وأتوبُ إليه) ،من قاله غفر له وإن كان فرّ من الزحف. (اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، ولَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ، فَاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً مِن عِندِكَ، وارْحَمْنِي، إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ)،(اللَّهمَّ اغفِر لي وارحَمني وارزُقني وعافِني)، (اللَّهُمَّ لكَ أسْلَمْتُ، وبِكَ آمَنْتُ، وعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وإلَيْكَ أنَبْتُ، وبِكَ خَاصَمْتُ، وإلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وأَسْرَرْتُ وأَعْلَنْتُ، أنْتَ إلَهِي لا إلَهَ لي غَيْرُكَ).


اقرأ أيضًا| الحكمة من الاستغفار بعد التسليم من الصلاة

دعاء سيد الإستغفار
عن شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ"، قَالَ: "وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ".

أثر الاستغفار في استجابة الدّعاء
إنّ للاستغفار أثرًا كبيرًا في استجابة الدّعاء.. أنّ المستغفر من الذّنب كمن لا ذنب له، كما في الحديث الصّحيح عن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، ولا شكّ بأنّ المسلم الذي لا ذنب له يكون دعاؤه مقبولًا عند الله تعالى، بينما لا يتقبّل الله تعالى دعاء الظّالمين والعاصين لأنّهم بعيدون عن الاستغفار والتّوبة الصّحيحة في حياتهم.

أنّ المسلم الذي يستغفر ربّه دائمًا يكون حريصًا على اجتناب الكسب الخبيث والمال الحرام، الّذي هو سببٌ من أسباب عدم استجابة الدّعاء، ففي الحديث الشّريف نعيٌ لحال من يدعو الله تعالى وملبسه حرام ومأكله حرام، وعذّي بالحرام، فالاستغفار واستجابة الدّعاء أمران متلازمان فحيثما يكون الاستغفار والتّوبة يكون الدّعاء المستجاب، وإذا غاب الاستغفار ولم تصدق التّوبة غابت أسباب استجابة الدّعاء.
أنّ الله سبحانه وتعالى يعطي الرّزق لمن أدام الاستغفار وحرص عليه، قال تعالى: (فقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا*يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا*وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا ) وهذا الرّزق من الله تعالى يأتي كذلك من خلال الدّعاء الصّادق حينما يقف العبد بين يدي الله تعالى يسأله الرّزق الحلال الطّيب في الدّنيا، كما أنّ من مظانّ استجابة الدّعاء تحيّن أوقات معيّنة للدّعاء ومنها وقت نزول المطر.
إن لزوم الاستغفار هو سبب لتفريج الهمّ وإزالة الكرب. أن الإستغفار والحرص عليه يجعل المسلم من أولياء الله الصالحين وعباده المتّقين، الذين لا يرد الله دعاءهم ولا يخيب رجاءهم، كما جاءوفي الحديث القدسي الشّريف: (لئِن سألَني لأعطينَّهُ ولئنِ استعاذني لأعيذنَّهُ).

فضل الاستغفار في السجود
اذا سجد العبدُ لله عز وجل كان في أكبر صور الخضوع والخشوع ؛ لذلك كان مناسبًا جدًّا أن يدعو العبد -وهو في هذه الحالة الخاشعة- ربَّه أن يغفر له الذنوب؛ لهذا حَضَّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على طلب المغفرة من الله في سجودنا؛ بل كان من سُنَّته أن يستخدم صِيغًا معينة تشمل الذنوب كلها؛ وذلك حتى يُحَقِّق أكبر فائدة من الاستغفار، وبين أيدينا الآن صيغتان جميلتان ينبغي لمن قرأهما أن يحفظهما، وأن يُواظب على الدعاء بهما:أما الصيغة الأولى فرواها مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: "اللهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ دِقَّهُ، وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ وَعَلاَنِيَتَهُ وَسِرَّهُ". ونلاحظ الشمولية في اللفظ، فإنه لا يكاد يُوجَد ذنبٌ إلا وشُمِلَ في هذا الدعاء، أما الصيغة الثانية فقد عَلَّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم لصديقه العظيم أبي بكر رضي الله عنه؛ وهي من أكثر الصيغ خشوعًا، ولو كان الصِّدِّيق رضي الله عنه في حاجة إلى هذا الاستغفار فنحن ولا شكَّ أحوج! فقد روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه: أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي، قَالَ: "قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ"، فلنحفظ هذه الأدعية المباركة، ولْنستغفر الله بها في سجودنا، عسى الله أن يتوب علينا ويرحمنا.

الاستغفار بعد الصلاة
أَسْـتَغْفِرُ الله (ثَلاثًا)أستغفرُ الله، أستغفرُ الله، أستغفرُ الله، اللهم أنتَ السلامُ ومنكَ السلامُ، تباركتَ يا ذا الجلالِ والإكرام. • لا إلهَ إلاّ اللّهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، لهُ المُـلْكُ ولهُ الحَمْد، وهوَ على كلّ شَيءٍ قَدير، اللّهُـمَّ لا مانِعَ لِما أَعْطَـيْت، وَلا مُعْطِـيَ لِما مَنَـعْت، وَلا يَنْفَـعُ ذا الجَـدِّ مِنْـكَ الجَـد. •لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لهُ، لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ، وهوَ على كلِّ شيءٍ قدير، لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبدُ إلا إياهُ، لهُ النعمةُ ولهُ الفضلُ ولهُ الثناءُ الحسنُ، لا إله إلا الله مُخلصينَ له الدينَ ولو كرِهَ الكافرون .

الاستغفار للزواج
قال الله تعالى على لسان سيدنا نوح عليه السلام: }فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا{ ، رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ"، وصلاة ركعتيْ قضاء الحاجة بنية الزواج ودعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى، وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ، وَالْغِنَى".

الاستغفار للشفاء الاستغفار بنية الشفاء ..قال الله سبحانه وتعالى: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مَن لزِمَ الاستغفارَ جعلَ اللَّهُ لهُ من كلِّ ضيقٍ مخرجًا ومن كلِّ همٍّ فرجًا ورزقَهُ من حيثُ لا يحتسبُ)

الاستغفار قبل النوم
فضل الاستغفار قبل النوم.. (اللَّهُمَّ خَلَقْتَ نَفْسِي وَأَنْتَ تَوَفَّاهَا، لكَ مَمَاتُهَا وَمَحْيَاهَا، إنْ أَحْيَيْتَهَا فَاحْفَظْهَا، وإنْ أَمَتَّهَا فَاغْفِرْ لَهَا) فيُؤجر صاحبها، وينال فضل اتّباع سنّة النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، وهديه. سببٌ في نيل المتاع الحسن في الدنيا والآخرة، وفي إنزال الغيث، والزيادة في القوّة والمنعة والعزّة. سببٌ في إجابة الدعاء؛ إذ إنّها مقرونةٌ بالتوبة من الذنوب وكثرة الاستغفار. سببٌ في نيل رحمات الله -تعالى-، ونيل المزيد من النعم والفضل من الله -سبحانه-، ودفع البلاء والهموم. سببٌ في حلّ المشاكل التي استعصت على صاحبها، وأهمّته.

الاستغفار لفك الأسحار
من أصابه سحر فعليه أن يجتهد في العبادة ويكثر من الاستغفار والصلاة على النبي وأن يداوم على أذكار الصباح والمساء وأداء الصلوات ويقرأ الرقية الشرعية.

الاستغفار للرزق
الرزق ليس أموالا فقط، وإنما يشمل الصحة والمعيشة، ويكون بالاستغفار لقوله تعالى (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ). ويرفع الله عز وجل العذاب عن الناس بالاستغفار، فمن يريد زيادة ماله وأولاده فعليه الاستغفار، لقوله تعالى ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا).

الاستغفار للميت
بر الوالدين بعد موتهما يكون بالدعاء والاستغفار لهما، وإنفاذ وصيتهما من بعدهما، وإكرام صديقهما، والإحسان إلى الأقارب وصلة الرحم التي لا صلة لك بها إلا بهما، فالاستغفار هو طلب المغفرة، وقول الإنسان أستغفر الله معناه أطلب المغفرة من الله، كقول «اللهم ارحمه، اللهم اغفر له» ليغفرَ الله لهما ويوسِّع عليهما في قبرهما.

الاستغفار من الذنوب
وردت عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- عدّة صيغٍ للاستغفار، كقول: "أستغفر الله"، أو قول: "رب اغفر لي"، أو ما شابه ذلك، وللمسلم أن يردّد سيّد الاستغفار بقول: (اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي لا إلَهَ إلَّا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا علَى عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ، أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِي فاغْفِرْ لِي، فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ)، ويُشرع للعبد أن يستغفر ربه بنية قضاء حاجةٍ معيّنةٍ، ممّا يبغاه من أمور دينه ودنياه ويحتاجه، ويُستحبّ له أن يتحيّن أوقات الإجابة المخصوصة بالفضل عمّا سواها؛ كوقت السَّحر، ودُبر الصلوات المكتوبة، وآخر ساعةٍ من يوم الجمعة، وبين الأذان والإقامة؛ فكلّ تلك الأوقات مستحبّةٌ على ما سواها، ولذلك فهي أدعى للقبول عند الله سبحانه.

الاستغفار للحمل
"ربِّ هبْ لي من لدنك ذريةً طيبةً إنك سميع الدعاء". "ربِّ لا تذرني فردًا وأنت خير الوارثين". "ربِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيًّا، يَرِثُنِي وَيَرِثُ من دعوة الإسلام، واجعله رَبِّ رَضِيًّا". "اللهم ارزقني صبيًّا حَنَانًا مِّن لَّدُنّك وَزَكَاةً، وَاجعله ربِّ تَقيًّا، وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ، وَلا تجعله جَبَّارًا عَصِيًّا، واجعله اللهم يأخُذ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ، وَآته اللهم الحكْم صَبِيًّا".

دعاء مستجاب للحمل
الدعاء المعجزة رحمة الله الواسعة فعنما جاءت إمرأة الى سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام وهو كليم الله، وقالت له أدعو لي ربك أن يرزقني بالذرية، فكان سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام يسأل الله بأن يرزقها الذرية وبما أن سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام كليم الله، كان رب العزة تبارك وتعالى يقول له يا موسى إني كتبتها عقيم فحينما أتت إليه المرأة قال لها سيدنا موسى، لقد سألت الله لك، فقال ربي لي يا موسى إني كتبتها عقيم وبعد سنة أتت إليه المرأة تطلب مرة أخرى أن يسأل الله أن يرزقها الذرية، فعاد سيدنا موسى وسأل الله لها الذرية مرة أخرى فقال الله له كما قال في المرة الأولى يا موسى إني كتبتها عقيم فأخبرها سيدنا موسى بما أجابه الله عز وجل وبعد فترة من الزمن أتت المرأة إلى سيدنا موسى وهي تحمل طفلا فسألها سيدنا موسى طفل من هذا الذي معك، فقالت انه طفلي رزقني الله به فكلم سيدنا موسى ربه، وقال يا رب لقد كتبتها عقيم فقال الله عز وجل وعلا يا موسى كلما كتبتها عقيم، قالت يا رحيم كلما كتبتها عقيم، قالت يا رحيم فسبقت رحمتي قدرتي .

فضل الاستغفار في إزالة الهم والكرب
أن أول مظاهر الدعاء كثرة الاستغفار، مشيرا إلى أن الاستغفار سؤال من الأدنى إلى الأعلى أي من الضعيف إلى القوي، العبد الذى يناجي ربه حتى يغفر له وكما يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) من لم يسأل الله يغضب عليه، فالرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يستغفر الله في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة كما قال أحد الصحابة، وكانت صيغته في الاستغفار كالتالي: "أستغفر الله العظيم الحي القيوم الذي لا إله إلا هو وأتوب إليه".

شروط الاستغفار
حتى يقبل الله سبحانه وتعالى الاستغفار يجب أن يكون هناك عدة شروط على المسلم أن يلتزم بها، و منها: الندم على الذنب وصدق التوبة لله سبحانه وتعالى، وهو أهم الشروط. الإخلاص في طلب المغفرة، وحضور القلب والجوارح، فلا يكون الاستغفار تكرار كلمات دون يقين بالمغفرة. عدم الإصرار على الذنب، وعدم تكراره. اتباع الاستغفار بالعبادات والأعمال الصالحة، وعدم التقصير بالفرائض وإتمامها على أكمل وجه. تأدية حقوق الناس، ورفع الظلم عنهم. التزام الأدب مع الله سبحانه وتعالى في طلب الاستغفار، والتذلل في طلبها.



------------------
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج 1.وج2. كتاب الفتن المؤلف : نعيم بن حماد المروزي أبو عبد الله [[ من 1 الي 2001 -]]

  ج 1. كتاب الفتن  نعيم بن حماد المروزي أبو عبد الله   ما كان من رسول الله صلى عليه وسلم من التقدم ومن أصحابه في الفتن التي هي كائنة...